بعد اللقاء بين السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ورئيس أميركا اترامب إلى جانب رؤساء أفارقة آخرين، بدعوة من رئيس الولايات المتحدة، لأول مرة لرئيس موريتاني؛
وبعد جلسة أبانت عن التسيب في التقاليد الابروتوكولية والشخصية من طرف هذا الداعي المقلق، على غير عادة الضيافة حيث يظهر المضيف -عادة- نوعا من اللياقة لضيوفه في بيته، سواء كان أبيض أ و أصفر؛ ويسابق إلى الإبذاء بدلا من الأريحية؛
ولأنني أبديت رأيي سابقا في الجلسة المشهودة شكلا ومحتوى. ولن أعود إليها؛
فإنني سأحاول أن أجيب من منظور وطني، على سؤال يجب أن يطرح ويناقش من نخبتنا الفكرية والسياسية، وهو:
– ماذا تريد موريتانيا من آميركا؟
وفي سبيل مساهمتي في الإجابة على هذا السؤل فثمة مجموعة من المنطلقات المؤطرة للإجابة.
أولا: أن موريتانيا دولة مستقلة، ذات اعتزاز خاص بنفسها، ومهما كانت حالتها المادية فإن لإنسانها صفات تجعل لهذا الاعتزاز مسوغات عديدة، جعلته يثور على استعمار أصعب، في ظروف أقسى، خالية من البدائل.
ثانيا: أن لدينا جرأة لا تخطئها العين على ردة الفعل في وجه من ينال منا على أي نحو، لا نراعي في ذلك قوة المتحدي وعجزنا الظاهري عن التعاطي معه كما يتعاطى معنا، بغض النظر عن أي نتيجة متوقعة منه.
ثالثا: أن عالم اليوم رغم تسيبه وتميع قيمه، يخلق البدائل ويتيحها بدفع بعض الأقوياء ببعض؛ بل ثمة سوق عرض عالمية بالمعنى الحقيقي لاستدراج المناقصين على الدعم والتحالف مع شعوب الجنوب من جانب بعض الأقرياء، فلم يعد في العالم قطب واحد كما كان؛ بل أكثر من قطب.
فعالم اليوم مفتوح الخيارات مثل عالم الشنفرى الفهمي:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى،
وفيها لمن خاف القلى متحول.
رابعا: أن التعاطي مع الدول اليوم، خاصة القوية، عبثي إن لم تترتب عليه منفعة ظاهرة، وكف مضرة كاشحة.
خامسا: أن ثمة قاعدة عملية تقول: إن اليأس معين على الصبر. وأعتقد أن حالة أميركا اليوم حالة ميؤوس منها، بخصوص مساعداتها لشعوب الجنوب. وبالتالي لا أمل فيها ولا مطمع. وهي تصيح بذلك على رؤوس الأشهاد، وتتبرأ من ماضيها في ذلك أمام العباد.
سادسا: أن المستثمرين اليوم يتنافسون على موارد الجنوب بصورة متهافتة، ولدى موريتانيا ما تدلي به في هذا المجال. ولم تعد الحكومات الغربية وغيرها هي التي تقرر على الشركات الأقوى من الحكومات نفسها إن لم يكن الغكس. وصراع ماسك واترامب يدل على ذلك.. وحيثما رأت شركات الاستخراج مصالحها فلن ننتظر أمرا أو إذنا من حكوماتها للاستثمار في بلد ما. لذا كان رئيسنا بعد المشاهدة يسعى للتنصل من الورطة بطلب الاستثمار حتى "يسلك الوقت".
سابعا: أن أي اتفاقية مع الشركات العابرة تحت وصاية حكومية من دولتها أكثر تكلفة من التعامل المباشر مع الشركات إن أتيح أصلا، لأن دول تلك الشركات تأخد أثمانا سياسية ومعنوية ومادية.. من دول الاستخراج زيادة على ما تأخذه شركاتها مباشرة، سرقة من تلك الحكومات في ظلال شركاتها، ما أتيح لها ذلك.
ثامنا: أن الاستثمارات الغبنية للشركات أكثر ضرا من نفعها، حيث أصبحت شركات نهب لا غبار عليها. وأهم دليل على ذلك بالنسبة لنا شركة استخراج لا نحصل منها إلا على 6%، مثل ميفرما في عهد الاستعمار. وهي نسبة رهيبة من الاستنزاف الفج. كأننا نبحث عمن يخلصنا من ثروة من ثرواتنا وكأنها عبء على الأرض. ومثل هذا الاستثمار الغبني لايفيدنا بل يخسرنا حاليا ومستقبليا. ويجب أن نقطع دابر القائم منه والآتي.
تاسعا: أن أميركا طلبت منا ثلاثة مطالب:
الأول: أن تعرف ما لدينا من معادنا. وقد لبينا لها الطلب لأن تلبيته في مصلحتنا.
الثاني: أن نصبح منفضة لمهاجري العالم إليها، ولم نستجب لله الحمد، لأننا لو استجبنا لقضينا على أمتنا قضاء استراتيجيا.
الثالث: أن نطبع مع رأس الإجرام الكوني، النتن.. ياهو. وقد ذاق بلدنا مذلة وعقم تلك العلاقات من قبل، وعضنا ثعبانها، وجنى من عقدها غدر الكيان حين توقع نجدته. وأصبحنا ندعو دعوة تيبه على غنمها.
ولا نستطيع أن نفعل، ولا نريد، ولا نطمع بمنفعة مقابلة. فهو إذن؛ أمر ليس لدنيانا ولا لأخرانا، ولا لإرضاء ضميرنا، ولا خدمة لقناعاتنا وديننا ومروءتنا. وكل الشعب الموريتاني يرفضه ويمقته؛ وليس في وارد اهتمام حكوماتنا وسلوكها تجاه أعدل قضية إنسانية وإسلامية وعربية هي قضية فلسطين
المطلوب موريتانيا من أميركا:
أولا: أن تتعاطى معنا باحترام وتقدير. على أساس تبادل ما أمكن من مصالح ومنافع، فلديها ما ننتفع به من استثمارات، ولدينا ما تنتفع به من معادن وموارد. لكن بعدل وإنصاف. وإلا "فخليفتها في الدبش" كما في مثلنا الشعبي.
ثانيا: أن تكف عنا أذاها وتتيقن أننا لن نقبل أبدا أن نكون نفاضة بشرية للُفاظتها من المهاجرين.
ثالثا: أن لا توجه أميركا دعوة بعدها لرئيسنا إن كانت على هذا المستوى من عدم الجدوائية والعقم والاعتباطية، والعجرفة.
لقد أحرجتنا دعوة اترامب أكثر مما أفرحتنا. ولما اكتشفنا المطلوب منها ندمنا على تلبيتها.
لقد حصل لموريتانيا ما حصل للرجل الذي "انشق عليه القدر"، فجاءه رأس حمار وخاطبه:
– قل حاجتك.
فرد عليه الرجل الذي كان ينتظر إجابة دعوته بفارغ الصبر ليلة القدر:
– حاجتي الوحيدة أن تغرب عن وجهي.
رابعا: لا نطلب منها أن تحمينا إلا من نفسها لا من غيرها، فنحن نعيش باطمئنان لله الحمد. ولا نريد غير ذلك. وهذا الأمن الثمين الذي حققناه بتدبيرنا وعرق جهدنا الخالص أولى عندنا من جعجعة الوعود ب "الازدهار الأمني و العسكري" المكلف، الجالب لخشاش الأرض في الجوار..
لا نطلب منك يا أميركا الترامبية غير ذلك ولا نريده.
الدكتور محمد أحظانا